الخميس، 14 فبراير 2013

إلا قليلاً ( 4 ) .........................................


  إلا قليلاً ( 4 )


ساعة العصاري والذكريات متلازمتان تدوران مع ساعة الحياه , حين تقرر الشمس النزول الى البحر على مرمى البصر .
يحلو لزينب اختلاس النظرات عبر نافذة شيشها مشنكل محشور بها قلة قناوي مندية تنفخ دخان سيجارة لفتها للتو تخرج من قلبها تنهيدة تداعب الدخان مغيرا مساره .
وادي القمر ومركب متهالك , عشة سقفها خوص أو خشب ... بيت..... هكذا لابد أن يسمى فهو ماتأوي إليه كل مساء  , خالى من الفراغ كل جزء به كركبة لا مجال فيه لمد الأرجل أو التمطيع لا يوجد به مرآه أجمل مافيه مصاحبة النجوم فسقفه متصل بالسماء والشمس تأوي إليه من الشروق حتى الغروب .
المتسع الوحيد فى هذا المكان هو الحلم يغدق بأدق التفاصيل يأتي فارس ممشوق على حصان أبيض يحملها كريشة تلف ذراعيها حول خصره , فستانها الأبيض يشع فى ضوء الشمس تنظر إليها كل البنات يحسدنها على فارسها تبتسم ابتسامة بصوت عال معلنة نصرها .
تتنهد مرة بعد مرة حتى تنفذ سيجارتها وتمل هطول الذكريات تقرر النزول لخالة رتيبة يمكن فنجان قهوة يعدل مزاجها
_ انتي مش عجباني اليومين دول يازوبة دبلانة كدة ومش رايئة
تتنهد وهى تكتف ذراعيها حولها ضامة شفتيها بالتواء تجيده كلما ارادت الحديث بكلام يرفض الخروج على لسانها
_ الدنيا مش مريحة حد ياخالتي
_ طب مانتي بتقوليها أهو محدش مرتاح يبقى نعيشها بقى كدة كدة عايشيين نقرف نفسنا بالفكر ليه
_ اه ياخالتي كنت فاكرة ان ربنا بعد الشقا والمر اللى شوفته هرتاح والراجل اللى خادنى هيهنيني
_ يوووه يازينب ماانا قولتلك يابت اخدك ونروح عند أم الزفر تعرف شيخ سره باتع يفكلك او يعملك حجاب أو يشوف نايبتك منين ربنا يأذي المؤذي
أقولك يازينب تعالي ارقيكي الأول وان الرقوة مانفعتش لازماً وحتما أوديكي بنفسي للشيخ دة
قامت الست رتيبة وهى الخبيرة فى البخور بأنواعه
الفسوخ وعين العفريت والكسبرة الناشفة وحتة لبان دكر وذرة ملح
ولعت حتة الفحم على الوابور خدتها بالماشة وغمستها بالفخار المخصص للبخور اليومي
وحين ثار الدخان قامت الست رتيبة تتمتم بهذه الكلمات وهى تدور بالفخارة فوق رأس زينب
الأولة بسملّة والتانية بسملّة والتالتة بسملّة والرابعة بسملّة والخامسة بسملّة والسادسة بسملّة والسابعة رقوة محمد ابن عبد الله
محمد رقى ناقته من جماعته حطيلها العليق ماداقته ,  رقاها واسترقاها كلت عليقها وشربت مياها كانت كسير صبحت تسير بقدرة الله العظيم . يابير بلا قعر ياكف بلا شعر ياشجرة بلا ورق خد منها النبي وطلق
والعين عنك تفترق كما افترق الندى عن الورق والعين عنك تروح كما راح الندى من عالسطوح ياهادي كل هدية يادافع كل بلية تكفينا شر العيون الرضية
من عين عبد الموجود ومن عين دوسة وعين جوزها وعينى انا كمان ومن خوسيه وماريا ومن عين بهى واخواته البنات ومن الحاج مرسي واهل بيته ومن عين سنان اللى عينه فلقت الحجر ومن ام الزفر والزفر وكل حارتنا نسوان ورجالة
آية الكرسي سبعة قولي معايا يابت وعلي صوتك خليهم يطفشوا
تمسك الست رتيبة فى يديها ورقة بيضاء تقطع منها اجزاء لتظهر عروسا فتاتى بالإبرة وتخزق العروس الورق بكل اسم ذكرته ثم تضعها فوق الفحم المحترق حتى تتفحم معها
حالما يبرد الفحم تاخذ من جوانبه بطرف أصبعها لترسم خطوطا على جسد زينب
تنهمر عيون زينب وقد تاهت مرة اخرى فى ذكريات وأحلام كانت تظن انها نالتها حين دخل عبد الموجود إلى بيتهم طالبا يدها
تمشي خلفه بعد اسبوع واحد من طلبها تتراقص النسمات حولها وهى تغادر وادى القمر ليس فارسا ولا يملك فرسا ابيض لكنه سياخذها لليابسة ستعيش فى بيت له سقف ستصعد درجات لتفتح بابا له مفتاح هذه كانت اقصى احلامها
تنتهى الست رتيبة وهى توصيها اضحكي يابت دة الضحك نعمة من ربنا والنبي يازوبة بكرة تروق وتحلى
تخرج زينب من باب شقة الست رتيبة لتجد سنان افندي متانقا مغازلاً ياغصن بان ياتمر حنة لترمقه بنظرة حادة مؤشرة إلى حذائها رافعة حاجبا ولاوية حاجبا
واللهى العظيم إن مااتلميت واحترمت نفسك لأخليك تندم عاليوم اللى شوفتنى فيه
_ اموت انا
_ موتة تلمك قليل الحيا
تسارع الخطا نحو الاعلى تجمع بين يديها ضفيرة فكت من شريطها خصلات ذهبية
تدخل غرفتها تدير رأسها يمنة ويسرة حتى ينثر شعرها على ظهرها....... صوت صراخ متقطع
تجري نحو باب الشقة الصوت ياتي من اعلى
تنظر من درابزين السلم فتسالها الست رتيبة جرى ايه يازينب مين اللى بتصوت
تصعد وهى تتلهف خير اللهم اجعله خير ايه اللى بلانا ماكنا كويسين تصعد زينب مع الست رتيبة لتجد زوجتا الحج مرسي صاحب المنزل على الارض يجثوان على ركبتيهما يلطمان
ويصرخان تتدخل الست رتيبة خير ياختى مالكم فى أيه جرى ايه حد يرد علينا
توفى الحاج مرسي تاركا خلفه زوجتان واربعة عشر أبنا وابنة لم يدم الحداد ليلتان حتى تعالت الصرخات حول الميراث
تصنع زينب الغذاء وماريا العشاء لأهل الميت حتى تعالت صرخات الخلاف فأغلق الجميع بابه
وبدات الفرجة والحديث خلف الابواب
_مادايم إلا وجه الله شوفى العيال وعمايلهم السودة الواحد بيقول عيل يسنده فى كبره ويستر عليه لما يموت شوفى واسمعى عاملين أيه فى ابوهم زمانه بيتقلب فى قبره داهية تلمهم كلهم مرة واحدة
_ اه ياعبده شيخ الجامع كان عندهم انهاردة بيهدى النفوس

-        نفوس أيه يازينب دى عيال عايزة الحرق
-        دة ابويا لما مات قسمنا الورتة من غير ماحد يحس بينا
-        ياخويا هو ابوك كان حيلته حاجة تتقاتلوا عليها
-        اهو احسن من ابوكى
-        لاتعايرني ولا عايرك دة الهم طايلنى وطايلك

................................................................................ 
نهلة فراج .........


اللوحة للفنانة التشكيلية / أميرة احمد الركايبي