الثلاثاء، 26 يناير 2010


عمرة فى زمن الوباء
هى أمرأة خمرية ممتلئة فى أواسط العقد السابع من العمر
ترتدى ثيابا بيضاء حيكت بعناية لتليق بهذه المناسبةالتى لا تتكرر كثيرا
تعتلى قسمات وجهها حدة ونظرات عينيها جرأة
وبرغم سنوات عمرها المديد الا انها تسير بثبات غير منحنية تعرف حين تراها انها كانت ممن يحملن البلاص على رؤوسهن فى ريف مصر
تمشى وسط الجموع حول الكعبة غير عابئة بالزحام ولا بتدافع الأكتاف والأيدى . ترفع يديها بالدعاء وقد تدلت منها سبحة جديدة تمسكها بأصابع مخضبة بالحناءالزاهية
تدعو الله بصوت يكاد يكون مسموعا من الملأ من حولها غير مبالية من يسمع وماذا يسمع فهذا الحديث بينها وبين ربها
تدعو بنفس منكسرة ......يارب سامحنى ان كنت عملت حاجة كدة ولا كدة
أنت عالم بنيتى يارب عمرى ما عملت حاجة تغضبك دة أنا بصلى كل يوم وعمرى ما أكلت حج حد أبدا والبت زهيرة سامحنى يارب هى اللى ما رضيتش تجصر الجلابية وفضلت تجول لازمن الجلابية تكون طويلة تغطى رجلك وأنتى بتصلى فى الحرم قمت أنا زعلت منها وحلفت مانا عطياها أجرتها سامحنى يارب أنت عالم بنيتى أنا كنت هديها أجرتها لولا
هى اللى زعلتنى
سامحنى يارب ان كنت يعنى بعمل شوية حاجات كدة مع سمية ماهى لازم تزهج وتمشى الجوازة دى ماكانتش لينا خالص أبنى لازم يتجوز بنت خاله علشان أرضى ترجعلى اللى أكلها عليا أخويا الله لا يسامحه بعد موت أبويا
وجال البنات مالهومش أرض عندنا
يعلو وجهها اصرار على ما عزمت النية عليه فتنزل يديها وتهيئ غطاء رأسها وتحرك حبات السبحة بين أصابعها ثم تنظر الى الكبة وتستطردقائلة يا سبحان الله الناس كلها منى عينها تشوف الكعبة وتملى عينها منها
أنا عارفة يارب انك بتحبنى علشان كدة سمعت دوعايا الحمد لله الحمد لله
ثم تنظر بزهو لمن حولها وكأنها أخذت صك الرضا من الله دون كل هؤلاء البشر وترفع يديها مرة أخرى وتعلو وجهها مرة أخرى نظرة الأنكسار ذاتها قائلة يارب سامحنى لو كنت عملت حاجة كدة ولا كدة
والمنخل بتاع أم على اللى أخدته منها ونكرته فدة حجى هى أخدت منى
المنخل بتاعنا عمنول وجطعته وكان لازمن أخد حجى لما عرفت انها شرت منخل جديد قلت لابد أخده منها ودة حجى ....سامحنى يارب
ثم يظهر على وجهها كانها تذكرت شيئا فجأة وأخذت تلتف حولها باحثة بين الوجوه ثم تقول بصوت عالى وكأنها تحدث الناس من حولها هو راح فين الواد دة ؟؟؟؟هو طول عمره كدة هفضل أدور عليه طيب ياحسن تقولها وهى تتوعد له وما زالت تنظر خلفها لعلها تجده وسط حشود البشر المتلاحمة حول الكعبة وفجأة يشد جلبابها من الخلف رجلا فى العقد الثالث أو يزيد قليلا خمرى اللون له شارب أسود كثيف يدل على بيئة ريفية صارمة يلتف بحراميه وممسكا بيده هاتف جوال مازالت شاشته مضيئة
يبدو أنه كان فى حالة أتصال . تمسك بيده وتلقها بشدة من عليها وتقول له بكل صرامة أنت رحت فين ياولا ؟ حتى هنا بتزوغ منى ثم تنظر الى الهاتف وترى شاشته مضيئة فيلحظ ذلك فيحاول تخبئته ولكن بعد فوات الأوان فتمد يدها وتخطفه منه وتسأله مين كان بيكلمك ياولا ؟ هو دة وجته ياولا ؟ فيتلعثم حسن ويدفع أمه برفق للأمام ويقول لها يالله يااما بجة الناس
حتدوسنا فترد بحدة أكثر مين كان بيكلمك ياولا ؟ فرد حسن وهو ينظر بعيدا متحاشيا النظر الى عينيها دى سمية ياما بتطمن علينا
تستشيط غضبا وتقول بصوت عالى غير مبالية لمن حولها ولا بقدسية المكان الله يلعن سمية وأبو سمية هى البت دى مش هتسيبك فى حالك
فيرد حسن قبل أتمام كلامها يامة يامة مش كدة أحب على رجليكى أحنا فى الكعبة والناس سامعينا دى سمية يامة هى اللى دافعة تمن السفرية دى كلها دى مكافأتها اللى بتاخدها بعد ما عينها بتطلع فى الأمتحانات والتدريس طول السنة دة يامة بدل ما تدعيلها وأحنا فى البيت الطاهر دة فترد أم حسن بكل قوة وحدة أنت بتعايرنى ياولا هى متصلة بيك عشان كدة طب و واللهى و اللهى ماهى جاعدة على ذمتك يوم واحد كمان


أى وباء أشد فتكا بنا
وباء داخل نفوسنا
أم وباء تتناقله الطيور والخنازير
(( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))

بقلم نهلة فراج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق