الثلاثاء، 26 يناير 2010



قصة قصيرة أجمل لحظات العمر


وقفت تنتظر القطار وهى ترتجف خوفا وفرحا تحاول اظهار ثقتها بنفسهاتخبئ قلقها وتنظر لمن حولها نظرة ثابتة.
ترتدى ثيابا أنتقتها بعناية تظهرها أصغر سنا وغير متكلفة ,
أقتربت من بائع الصحف وتجولت بين المجلات والصحف حتى مدت يدها وأمسكت بجريدة معارضة تقرأها من آن الى أخر ثم وضعتها داخل كيس تحمله فى يديها
وبعد لحظات قليلة أعلن فى مكبر الصوت وصول القطار فارتعشت يديها وأحست ببرودة تسرى فى أوصالها وحدثت نفسها "هذه آخر فرصة للتراجع أذهب اليه أم أرجع الى بيتى وأولادى"
تداركت نفسها مسرعة واذا بها تسرع الخطى نحو القطار حتى لا تعيد التفكير مرة أخرى
لقد فكرت كثيرا حتى أعلن قولونها الحرب عليها فكانت كلما شردت وسرحت بخيالها فى هذا اللقاء أرتعدت خوفا من نفسها وصرخ ضميرها ( لقد عشت دوما الزوجة الوفية ماذا تفعلين بعد هذا العمر؟
وتدخل فى سجال مع نفسها ينتهى دائما بصرخة من قولونها فتهرب وهى غير مرتاحة ! لن يشفع لها أنها تبحث عن هذا الشعور طيلة حياتها ؛ لن يشفع لها زواجها التقليدى وحياتها الرتيبة
تجلس على مقعدها وتحاول طرد فكرة التراجع من رأسها فتمسك هاتفها وتبحث عن رقمه .......يرن فتتصاعد دقات قلبها ويرد "صباح الخير
فتتسارع دقات قلبها أكثر وأكثر وتتورد وجنتيها وترتفع حرارتها .....لهذا تعشقه لهذا تناست كل ما يحول بينها وبينه دينها ضميرها تربيتها زوجها أولادها زوجته وأولاده
ردت /صباح النور صحيتك؟
لا أبدا
ركبتى؟
أيوة لسة متحرك من المحطة حالا
هكون فى أنتظارك
أسفة لأزعاجك
ماتقوليش كدةأهلا بيكى
أغلقت وقد بدأ شريط الذكريات يعرض فى خيالها
كان زميلا لها من أيام الجامعة أحبته وأحبها عاشا معا لحظات جميلة حتى تخرجا ثم سافر وطال غيابه وانقطعت أخباره ففكرت ككل الفتيات العمر يجرى وفرص الزواج تقل كلما مر عام ثم آخر فتقدم لها زوجها الحالى ولم يكن به مايعيب فتزوجته وعاشا معا وأنجبا بنتا وولدا وبعد مرور السنين كانت تحضر مؤتمرا مندوبة عن شركتها التى تعمل بها فاذا به أمامها فى أجمل لحظة من لحظات العمر بعد كل هذه السنين مازال كما هو وجه صبوح ابتسامة تذيب الجليد ممشوق القوام يرتدى أجمل الثياب وأبسطها
تحدثا معا حديثا مقتضبا تبادلا بعدها أرقام هاتفيهما ومن يومها لم تنقطع المكالمات بينهما
حتى أعلن فى الشركة التى تعمل بها عن مؤتمر سيعقد فى بلدته فقررت السفر لتراه وهاهى الآن فى طريقها اليه تحمل معها هدية صنعتها له بيديها تخرجها من الحقيبة وتداعبها بيديها ثم ترجعها الى مكانها
تخرج الصحيفة وتحاول قراءتها ولكنها عاجزة عن التركيز تظل ممسكة بها متظاهرة بقرائتها ثم تجول بنظرها فى عربة القطار لم تقع عينيها على شئ يستطيع أخراجها من شرودها
حتى سمعت راكبا بجوارها يسأل عن ميعاد وصول القطار الى المحطة
يزداد التوتر وتخرج زجاجة العطر من حقيبتها وتنثره على ملابسها تهندم ثيابها وتحاول السيطرة على مشاعرها لكن هيهات.........يقف القطار وتهم واقفة تعجز قدميها على حملها وبسرعة وقوة تحسد عليها تمالكت نفسها وأخذت نفسا عميقا وأنتصبت قامتها ونزلت من القطار ومظهرها يوحى بالثقة الشديدة فى النفس
جالت بنظرها فى أنحاء المحطة حتى رأته مقبلا عليها مبتسما ابتسامة أذهبت ما تبقى لها من عقل
مد يده لمصافحتها فسارعت اليه بيدها تصافحا وتبادلا كلمات لا تدرى ماذا قال ولا ماذا قالت
وبعد خطوات معدودة تلامست يديهما فالتقط يدها ممسكا بها فارتعدت وكاد قلبها يقف وتمنت لو يقف الزمن هنا
أحاسيس ومشاعر يعجز فطاحل الشعراء عن وصفها والتعبير عنها
أجمل لحظات العمر تمر بها الآن ولا تستطيع الأمساك بها
وصلا الى السيارة وفتح لها الباب جلست جواره وكأنها فى حلم جميل تخشى أن تستيقظ منه تنظر اليه وهى غير مصدقة لما يحدث
لقد ماتت هذه المشاعر منذ زمن بعيد أو هكذا ظنت
تختلط الأحاسيس هنا ما زال ممسكا يدها .....الفرح والذهول تأنيب الضمير ولكن ....... النظرة فى عينى حبيبها تنسيها الدنيا وما فيها
تذكرت الهدية فأخرجتها وأعطتها اليه قائلة لقد صنعتها بنفسى لك
أمسكها بيديه وأخذ يمتدحها لكنها لم ترتاح لقسمات وجهه وتظاهرت بالغباء أدركت أنه يخشى من رد فعل زوجته
وله الحق فهى زوجة أيضا
بدأ المؤتمر وتلاحقت أحداثه وهى تختلس النظرات الى رجلها مر الوقت كالبرق
أنتهى اليوم الجميل وهى تنظر الى ساعتها
زمنا مر ولا أمل فى عودته
أصطحبها الى سيارته ووصلا الى المحطة دون كلمة واحدة وفى صمت أبلغ من كل الكلمات وقفا أمام القطار وهى تحاول التعبير عن سعادتها فى هذا اليوم وتطلب منه زيارة مدينتها هو وزوجته وأولاده
مرة أخرى تحاول اظهار تماسكها وقوتها وهى بداخلها تخور قواها وتتزلزل أحشائها ويستغيث قولونها
تمد يدها لتصافحه وقد ظهر عليها ما حاولت أن تكتمه طيلة اليوم ترتعش يدها بين يديه وتنطق بما لم تفكر به
لم يمت حبى لك يوما
أعلنتها له رغما عنها صعدت للقطار ودموعها تغلى على وجنتيها


جلست على مقعدها وهى عازمة على الخروج مما أدخلت نفسها به
نعم العمر لا نحياه غير مرة واحدة لكن هذا لا يعطيها الحق فى السرقة والخيانة




كتبته / نهلة فراج ه

هناك تعليقان (2):

  1. أستشعر أزمة تلك الأنثى - وإن كانت لم تأتِ شيئا مشينا - فكل ما هى فيه استدعاء لذكرى ما ، إن الأنثى / الإنسان فى ذلك القالب الذكورى الضاغط تعانى من كبت شعورها والتظاهر بغيره ، ما يخلق مجتمع نصفه كاذب ..
    أجدتِ فى وصف أحاسيس البطلة ، والخاص منها تحديدا
    تحياتى وتقديرى
    سعدتُ بعبورى هنا

    مصطفى جوهر

    ردحذف
  2. سعدت جدا بمرورك هنا مصطفى وبالتأكيد يوجد فى مجتمعنا الكثير من النماذج التى إذا سلط عليها الضوء سنجد الصورة الحقيقية لمجتمع ذكورى
    كبت مشاعر المراة والرجل على حد سواء حرصا على بيوت من زجاج هشة من داخلها رغم التظاهر بغير ذلك

    كل الشكر والأمتنان لتواجدك الكريم

    ردحذف